فصل: ذكر ملك ابنه هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر خالد بن سنان العبسي:

وممن كان في الفترة خالد بن سنان العبسي، قيل: كان نبياً، وكان من معجزاته أن ناراً ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها وكادوا يتمجسون، فأخذ خالد عصاه ودخلها حتى توسطها ففرقها، وهو يقول: بداً بداً، كل هدى مؤدى، لأدخلنها وهي تلظى ولأخرجن منها وثيابي تندى. ثم إنها طفئت وهو في وسطها.
فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا دفنت فإنه ستجيء عانة من حمير يقدمها عير أبتر فيضرب قبري بحافره، فإذا رأيتم ذلك فانبشوا عني فإني سأخبركم بجميع ما هو كائن. فلما مات ودفنوه رأوا ما قال، فأرادوا نبشه، فكره ذلك بعضهم قالوا: نخاف إن نبشناه أن تسبنا العرب بأنا نبشنا ميتاً لنا. فتركوه.
فقيل إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال فيه: ذلك نبي ضيعه قومه، وأتت ابنته النبي، صلى الله عليه وسلم، فآمنت به.
كذا قيل إنه آخر الحوادث أقام ملوك الطوائف، ولا وجه له، فإن من أدركت ابنته النبي، صلى الله عليه وسلم، يكون بعد اجتماع الملك لأردشير بن بابك بدهر طويل.
ونرجع إلى أخبار ملوك الفرس لسياق التاريخ، ونقدم قبل ذكرهم عدد الملوك الأشغانية من ملوك الطوائف وطبقات ملوك الفرس، إن شاء الله تعالى.

.ذكر طبقات ملوك الفرس:

.الطبقة الأولى الفيشداذية:

ملوك الأرض بعد جيومرث أوشهنج؛ وملك فيشداذ أربعين سنة، ومعنى فيشداذ أول حاكم. ملك بعده طهمورث بن يوجهان ثلاثية سنة. ثم ملك أخوه جمشيد سبعمائة وست عشرة سنة. ثم ملك بيوراسف بن أرونداسف ألف سنة. ثم ملك أفريدون بن أثفيان خمسمائة سنة. ثم ملك منوجهر مائة وعشرين سنة. ثم ملك أفراسياب التركي اثنتي عشرة سنة. ثم ملك زوبن تهماسف ثلاث سنين. ثم ملك كرشاسب تسع سنين.

.الطبقة الثانية الكيانية:

ثم ملك كيقباذ مائة وستاً وعشرين سنة. ثم ملك كيكاووس مائة وخمسين سنة. ثم ملك كيخسرو ثمانين سنة. ثم ملك كي لهراسب مائة وعشرين سنة. ثم ملك كي بشتاسب مائة وعشرين سنة. ثم ملك كي بهمن مائة واثنتي عشرة سنة. ثم ملك خمانى جهرازاد ثلاثين سنة. ثم ملك أخوها دارا بن بهمن اثنتي عشرة سنة. ثم ملك ابنه دارا بن دارا أربع عشرة سنة، وهو الذي أخذ الإسكندر الملك منه. وكان ملك الإسكندر بعده أربع عشرة سنة.

.الطبقة الثالثة الأشغانية:

وهم الذين استولوا على العراق والجبال، وكان سائر ملوك الطوائف يعظمونهم. فأول ملوك الأشغانيين أقام ملوك الطوائف أشك، ملك اثنتين وخمسين سنة. ثم ملك ابنه شابور بن أشك أربعاً وعشرين سنة. ثم ملك ابنه جوذرز بن شابور، وهو الذي غزا بني إسرائيل بعد قتل يحيى بن زكرياء، خمسين سنة. ثم ملك ابنه أخيه وبحن بن بلاش إحدى وعشرين سنة. ثم ملك جوذرز بن وبحن تسع عشرة سنة. ثم ملك أخوه نرسي ثلاثين سنة. ثم ملك عمه هرمزان بن بلاش بن شابور تسع عشرة سنة. ثم ملك ابنه فيروز بن هرمزان اثنتي عشرة سنة. ثم ملك ابنه خسرو أربعين سنة. ثم ملك أخوه بلاش بن فيروز أربعاً وعشرين سنة. ثم ملك ابنه أردوان بن بلاش خمساً وخمسين سنة. وقد ذكر بعضهم أنه ملك بعد هرمزان بن بلاش أردوان الأكبر اثنتي عشرة سنة.
وقيل في عدد ملوك الطوائف غير ذلك، والفرس تعترف باضطراب التاريخ عليهم في أيام ملوك الطوائف وملك بيوراسف وملك أفراسياب التركي لأنهم زال الملك عنهم ولم يمكن ضبطه.

.الطبقة الرابعة الساسانية:

فأولهم أردشير بن بابك.

.ذكر أخبار أردشير بن بابك وملوك الفرس:

قيل: لما مضى من لدن ملك الإسكندر أرض بابل، في قول النصرى وأهل الكتب الأول، خمسمائة سنة وثلاث وعشرون سنة، وفي قول المجوس: مائتان وست وستون، وثب أردشير بن بابك بن ساسان الأصغر بن بابك بن ساسان بن بابك بن مهرمس بن ساسان بن بهمن الملك ابن إسفنديار بن بشتاسب، وقيل في نسبته غير ذلك، يريد الأخذ بثأر الملك دارا بن دارا ورد الملك إلى أهله وإلى ما لم يزل عليه أيام سلفه الذين مضوا قبل ملوك الطوائف وجمعه لرئيس واحد.
وذكر أن ولده كان بقرية من قرى إصطخر يقال لها طيزودة من رستاق إصطخر، وكان جده ساسان شجاعاً مغرىً بالصيد، وتزوج امرأة من نسل ملوك فارس يعرفون بالبادرنجبين، وكان قيما على بيت نار بإصطخر يقال له بيت نار هيد، فولدت له بابك، فلما كبر قام بأمر الناس بعد أبيه، ثم ولد له ابنه أردشير، وكان ملك إصطخر يومئذ رجل من البادرنجيين يقال له جوزهر، وكان له خصي اسمه تيري قد صيره ارجيداً بدارابجرد. فلما أتى لأردشير سبع سنين قدمه أبوه إلى جوزهر وسأله أن يضمه إلى تيرى ليكون ربيباً له وارجيداً بعده في موضعه، فأجابه وأرسله إلى تيري، فقبله وتبناه. فلما هلك تيري تقلد أردشير الأمر وحسن قيماه به، وأعلمه قوم من المنجمين صلاح مولده وأنه يملك البلاد، فازداد في الخير، ورأى في منامه ملكاً جلس عند رأسه فقال له: إن الله يملكك البلاد؛ فقويت نفسه قوةً لم يعهدها؛ وكان أول ما فعل أنه سار إلى موضع من دارابجرد يسمى خوبابان فقتل ملكها، واسمه فاسين، ثم سار إلى موضع يقال له كوسن فقتل ملكها، واسمه منوجهر، ثم إلى موضع يقال له لزويز فقتل ملكها، واسمها دارا، وجعل في هذه المواضع قوماً من قبله، وكتب إلى أبيه بما كان منه، وأمره بالوثوب يجوزهر، وهو بالبيضاء، ففعل ذلك وقتل جوزهر وأخذ تاجه، وكتب إلى أردوان ملك الجبال وما يتصل بها يتضرع إليه ويسأله في تتويج ابنه سابور بتاج جوزهر، فمنعه من ذلك وهدده، فلم يحفل بابك بذلك وهلك في ثلاثة أيام، فتوج سابور بن بابك بالتاج وملك مكان أبيه، وكتب إلى أردشير يستدعيه، فامتنع، فغضب سابور وجمع جموعاً وسار بهم نحوه ليحاربه،وخرج من إصطخر وبها عدة من أصحابه وإخوانه وأقاربه وفيهم من هو أكبر سناً منه، فأخذوا التاج والسرير وسلموهما إلى أردشير، فتتوج وافتتح أمره بجد وقوة وجعل له وزيراً ورتب موبذان موبذ، وأحس من إخوته وقوم كانوا معه بالفتك به، فقتل جماعةً منهم، وعصى عليه أهل دارابجرد فعاد إليه فافتتحها وقتل جماعةً من أهلها، ثم سار إلى كرمان وبها ملك يقال له بلاش فاقتتلا قتالاً شديداً، وقاتل أردشير بنفسه وأسر بلاش، فاستولى على المدينة وجعل فيها ابناً له اسمه أردشير أيضاً.
وكان في سواحل بحر فارس ملك اسمه أسيون يعظم فسار إليه أردشير فقتله وقتل من معه واستخرج له أموالاً عظيمة.
وكتب إلى جماعة من الملوك، منهم: مهرك صاحب ابرساس من أردشير خره، يدعوهم إلى الطاعة، فلم يفعلوا، فسار إليهم فقتل مهرك ثم سار إلى جور فأسسها وبنى الجوسق المعروف بالطربال وبيت نار هناك.
فبينا هو كذلك إذ ورد عليه رسول أردوان بكتاب، فجمع الناس فقرأه عليهم، فإذا فيه: إنك عدوت قدرك واجتلبت حتفك أيها الكردي! من أذن لك في التاج والبلاد؟ ومن أمرك ببناء المدينة؟ وأعلمه أنه قد وجه إليه ملك الأهواز ليأتيه به في وثاق.
فكتب إليه: إن الله حباني بالتاج وملكني البلاد، وأنا أرجو أن يمكنني منك فأبعث برأسك إلى بيت النار الذي أسسته.
وسار أردشير نحو إصطخر وخلف وزيره أبرسام بأردشير خره، فلم يلبث إلا قليلاً حتى ورد عليه كتاب أبرسام بموافاة ملك الأهواز وعوده منكوباً، ثم سار إلى أصبهان فملكها وقتل ملكها، وعاد إلى فارس وتوجه إلى محاربة نيروفر صاحب الأهواز، وسار إلى أرجان وإلى ميسان وطاسار، ثم إلى سرق، فوقف على شاطئ دجيل فظفر بالمدينة وابتنى مدينة سوق الأهواز وعاد إلى فارس بالغنائم، ثم عاد من فارس إلى الأهواز على طريق خرة وكازرون، وقتل ملك ميسان وبنى هناك كرخ ميسان وعاد إلى فارس.
فأرسل إلى أردوان يؤذنه بالحرب ويقول له ليعين موضعاً للقتال. فكتب إليه أردوان: إني أوافيك في صحراء هرمزجان لانسلاخ مهرماه. فوافاه أردشير قبل الوقت وخندق على نفسه واحتوى على الماء، ووافاه أردوان وملك الأرمانيين، وكانا يتحاربان على الملك فاصطلحا على أردشير وحارباه، وهما متساندان يقاتله هذا يوماً وهذا يوماً، فإذا كان يوم بابا ملك الأرمانيين لم يقم له أردشير، وإذا كان يوم أردوان لم يقم لأردشير، فصالح أردشير بابا ملك الأرمانيين على أن يكف ويفرغ أردشير لأردوان، فلم يلبث أن قتله واستولى على ما كان له، وأطاعه بابا وسمي أردشير: شاهنشاه.
ثم سار إلى همذان فافتتحها، وإلى الجبل وأذربيجان وأرمينية والموصل ففتحها عنوةً، وسار إلى السواد من الموصل فملكه وبنى على شاطئ دجلة قبالة طيسفون، وهي المدينة التي في شرق المدائن مدينة غربية، وسماها به أردشير، وعاد من السواد إلى إصطخر، وسار منها إلى سجستان، ثم إلى جرجان، ثم إلى نيسابور ومرو وبرخ وخوارزم، وعاد إلى فارس ونزل جور. فجاءه رسل ملك كوسان وملك طوران وملك مركان بالطاعة.
ثم سار من جور إلى البحرين، فاضطر ملكها إلى أن رمى نفسه من حصنه فهلك. وعاد إلى المدائن فتوج ابنه سابور بتاجه في حياته وبنى ثماني مدن، منها: مدينة الخط بالبحرين، ومدينة بهرسير مقابل المدائن. وكان اسمه به أردشير فعربت به سير، وأردشير خره، هي مدينة فيروزاباذ، سماها عضد الدولة بن بويه كذلك، وبنى بكرمان مدينة أردشير أيضاً فعربت بردشير، وبنى بهمن أردشير على دجلة عند البصرة، والبصريون يسمونها بهمن شير، وفرات ميسان أيضاً، وبنى رامهرمز بخوزستان، وبنى سوق الأهواز، وبالموصل بودر أردشير، وهي حزة.
ولم يزل محمود السيرة مظفراً منصوراً لا ترد له راية، ومدن المدن، وكور الكور، ورتب المراتب وعمر البلاد.
وكان ملكه من قتله أردوان إلى أن هلك أربع عشرة سنة، وقيل: أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، ولما استولى أردشير على العراق كره كثير من تنوخ المقام في مملكته فخرج من كان منهم من قضاعة إلى الشام، ودان له أهل الحيرة والأنبار، وقد كانت الحيرة والأنبار بنيتا زمن بخت نصر، فخربت الحيرة لتحول أهلها إلى الأنبار، وعمرت الأنبار خمسمائة سنة وخمسين سنة إلى أن عمرت الحيرة زمن عمرو بن عدي، فعمرت خمسمائة وبضعاً وثلاثين سنة إلى أن وضعت الكوفة ونزلها أهل الإسلام.

.ذكر ملك سابور بن أردشير بن بابك:

ولما هلك أردشير بن بابك قام بالملك بعده ابنه سابور، وكان أردشير قد أسرف في قتل الأشكانية حتى أفناهم بسبب ألية آلاها جده ساسان بن أردشير بن بهمن، فإنه أقسم أنه إن ملك يوماً من الدهر لم يستبق من نسل أشك بن جزه أحداً، وأوجب ذلك على عقبه، فكان أول من ملك من عقبه أردشير، فقتلهم جميعاً نساءهم ورجالهم، غير أن جارية وجدها في دار المملكة فأعجبته، وكانت ابنة للملك المقتول، فسألها عن نسبها، فذكرت أنها خادم لبعض نساء الملك. فسألها أبكر أم ثيب، فأخبرته أنها بكر، فاتخذها لنفسه وواقعها، فعلقت منه، فلما أمنت منه بحبلها أخبرته أنها من ولد أشك، فنفر منها ودعا هرجد بن اسام، وكان شيخاً مسناً، فأخبره الخبر، وقال له ليقتلها ليبر قسم جده. فأخذها الشيخ ليقتلها، فأخبرته أنها حبلى، فأتى بالقوابل فشهدن بحبلها، فأودعها سرباً في الأرض ثم قطع مذاكيره ووضعها في حق وختم عليه، وحضر عند الملك فقال: ما فعلت؟ فقال: استودعتها بطن الأرض، ودفع الحقف إليه، وسأله أن يختمه بخاتمه ويودعه بعض خزائنه، ففعل.
ثم وضعت الجارية غلاماً، فكره الشيخ أن يسمى ابن الملك دونه، وخاف يعلمه به وهو صغير، فأخذ له الطالع وسماه شابور، ومعناه: ابن الملك، فيكون اسماً وصفة، وهو أول من سمي بهذا الاسم.
وبقي أردشير لا يولد له، فدخل عليه الشيخ الذي عنده الصبي يوماً فوجده محزوناً، فقال له: ما يحزن الملك؟ فقال: ضربت بسيفي ما بين المشرق والمغرب حتى ظفرت وصفا لي ملك آبائي ثم أهلك وليس لي عقب فيه. فقال له الشيخ: سرك الله أيها الملك وعمرك! لك عندي ولد طيب نفيس، فادع لي بالحق الذي استودعتك أرك برهان ذلك. فدعا أردشير بالحق وفتحه، فوجد فيه مذاكير الشيخ وكتاباً فيه: لما أخبرتني ابنة أشك التي علقت من ملك الملوك حين أمر بقتلها لم أستحل إتلاف زرع الملك الطيب فأودعتها بطن الأرض كما أمر وتبرأنا إليه من أنفسنا لئلا يجد عاضهٌ إلى عضهها سبيلاً.
فأمره أردشير أن يجعل مع سابور مائة غلام، وقيل: ألف غلام من أشباهه في الهيئة والقامة، ثم يدخلهم عليه جميعاً لا يفرق بينهم زي، ففعل الشيخ. فلما نظر إليهم أردشير قبلت نفسه ابنه من بينهم، ثم أعطوا صوالجة وكرة، فلعبوا بالكرة وهو في الإيوان، فدخلت الكرة الإيوان، فهاب الغلمان أن يدخلوه، وأقدم سابور من بينهم ودخل، فاستدل بإقدامه مع ما كان من قبوله له حين رآه أنه ابنه، فقال له أردشير: ما اسمك؟ قال: شاه بور.
فلما ثبت عنده أنه ابنه شهر أمره وعقد له التاج من بعده، وكان عاقلاً بليغاً فاضلاً، فلما ملك ووضع التاج على رأسه فرق الأموال على الناس من قرب ومن بعد، وأحسن إليهم، فبان فضل سيرته وفاق جميع الملوك، وبنى مدينة نيسابور، ومدينة سابور بفارس، وبنى فيروز سابور، وهي الأنبار، وبنى جنديسابور.
وقيل: إنه حاصر الروم بنصيبين وفيها جمع من الروم مدة ثم أتاه من ناحية خراسان من احتاج إلى مشاهدته، فسار إليها وأحكم أمرها، ثم عاد إلى نصيبين، فزعموا أن سورها تصدع وانفرجت منه فرجة دخل منها وقتل وسبى وغنم وتجاوزها إلى بلاد الشام فافتتح من مدائنها مدناً كثيرة، منها فالوقية وقدوقية، وحاصر ملكاً للروم بإنطاكية فأسره وحمله وجماعةً كثيرة معه فأسكنهم مدينة جنديسابور.

.ذكر خبر مدينة الحضر:

كانت بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر، وكان بها ملك يقال له الساطرون، وكان من الجرامقة، والعرب تسميه الضيزن، وهو من قضاعة، وكان قد ملك الجزيرة وكثر جنده، وإنه تطرق بعض السواد إذ كان سابور بخراسان، فلما عاد سابور أخبر بما كان منه، فسار إليه وحاصره أربع سنين، وقيل: سنتين، لا يقدر على هدم حصنه ولا الوصول إليه.
وكان للضيزن بنت تسمى النضيرة، فحاضت، فأخرجت إلى ربض المدينة، وكذلك كان يفعل بالنساء، وكانت من أجمل النساء، وكان سابور من أجمل النساء، فرأى كل واحد منهما صاحبه فتعاشقا، فأرسلت إليه: ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به سور المدينة؟ فقال: أحكمك وأرفعك على نسائي. فقالت: عليك بحمامة ورقاء مطوقة فاكتب على رجلها بحيض جارية بكر زرقاء ثم أرسلها فإنها تقع على سور المدينة فيخرب، وكان ذلك طلسم ذلك البلد. ففعل وتداعت المدينة، فدخلها عنوةً وقتل الضيزن وأصحابه، فلم يبق منهم أحد يعرف اليوم، وأخرب المدينة واحتمل النضيرة فأعرس بها بعين التمر فلم تزل ليلتها تتضور، فالتمس ما يؤذيها فإذا ورقة آس ملتزقة بعكنة من عكن بطنها، فقال لها: ما كان يغذوك به أبوك؟ قالت: بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفو الخمر. فقال: وأبيك لأنا أحدث عهداً بك وآثر لك من أبيك! فأمر رجلاً فرساً جموحاً ثم عصب غدائرها بذنبه ثم استركضها فقطعها قطعاً، وقد أكثر الشعراء ذكر الضيزن في أشعارهم.
وفي أيام سابور ظهر ماني الزنديق وادعى النبوة، وتبعه خلقٌ كثير، وهم الذين يسمون المانوية.
وكان ملكه ثلاثين سنة وخمسة عشر يوماًن وقيل: إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر وتسعة أيام.

.ذكر ملك ابنه هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك:

وكان يشبه في خلقه بأردشير غير لاحق به في تدبيره، وكان في البطش والجرأة على أمر عظيم، وكانت أمه من بنات مهرك الملك الذي قتله أردشير وتتبع نسله فقتلهم، لأن المنجمين أخبروه أنه يكون من نسله من يملك، فهربت أمه إلى البادية وأقامت عند بعض الرعاء، وخرج سابور متصيداً، فاشتد به العطش وارتفعت له الأخبية التي فيها أمر هرمز، فقصدها وطلب الماء، فناولته المرأة، فرأى منها جمالاً فائقاً، فلم يلبث أن حضر الرعاء فسألهم سابور عنها، فقال بعضهم: إنها ابنته، فتزوجها وسار بها إلى منزله، وكسيت ونظفت، فأرادها فامتنعت عليه مدة، فلما طال عليه سألها عن سبب ذلك فأخبرته أنها ابنة مهرك وأنها تفعل ذلك إبقاء عليه من أردشير، فعاهدها على ستر أمرها، ووطئها فولدت له هرمز، فستر أمره حتى صار له سنون.
فركب أردشير يوماً إلى منزل ابنه سابور لشيء أراد ذكره له، فدخل منزله مفاجأة، فلما استقر خرج هرمز وبيده صولجان وهو يصيح في أثر الكرة، فلما رآه أردشير أنكره ووقف على المشابه التي فيه من حسن الوجه وعبالة الخلق وأمور غيرها، فاستدناه أردشير وسأل عنه سابور، فخرج مفكراً على سبيل الإقرار بالخطاء، وأخبر أباه أردشير الخبر، فسر، وأخبره أنه قد تحقق الذي ذكره المنجمون في ولد مهرك، وأن ذلك قد سلى ما كان في نفسه وأذهبه.
فلما ملك سابور ولى هرمز خراسان وسيره إليها، فقهر الأعداء واستقل بالأمر، فوشى به الوشاة إلى سابور أنه على عزم أن يأخذ الملك منه، وسمع هرمز بذلك فقيل إنه قطع يده وأرسلها إلى أبيه، فكتب إليه بما بلغه وأنه فعل ذلك إزالة للتهمة لأن رسمهم أنهم كانوا لا يملكون ذا عاهة، فلما وصلت يده إلى سابور تقطع أسفاً وأرسل إلى هرمز يعلمه ما ناله لذلك وعقد له على الملك وملكه، ولما ملك عدل في رعيته، وكان صادقاً، وسلك سبيل آبائه وكور كورة رامهرمز. وكان ملكه سنة وعشرة أيام.

.ذكر ملك ابنه بهرام بن هرمز بن سابور:

وكان حليماً متأنياً حسن السيرة، وقتل ماني الزنديق وسلخه وحشا جلده تبناً وعلق على باب من أبواب جنديسابور يسمى باب ماني.
وكان ملكه ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام. وكان عامل سابور بن أردشير وابنه هرمز وبهرام بن هرمز- بعد ملك عمرو بن عدي على ربيعة ومضر وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة يومئذٍ- ابن لعمرو بن عدي، يقال له امرؤ القيس البدء، وهو أول من تنصر من آل نصر بن ربيعة وعمال الفرس، وعاش مملكاً فيعمله مائة سنة وأربع عشرة سنة، منها في زمن سابور بن أردشير ثلاثاً وعشرين سنة وشهراً، وفي زمن هرمز بن سابور سنة وعشرة أيام، وفي زمن بهرام ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام، وفي زمن بهرام بن بهرام بن هرمز ثماني عشرة سنة.

.ذكر ملك ابنه بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير:

وكان ملكه حسناً، وكان عالماً بالأمور، فلما عقد له التاج وعدهم بحسن السية، واختلف في سني ملكه، فقيل ثماني عشرة سنة، وقيل سبع عشرة سنة، والله أعلم.

.ذكر ملك ابنه بهرام بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور:

فلما عقد التاج على رأسه دعا له العظماء فأحسن الرد، وكان قبل أن يفضي إليه الأمر مملكاً على سجستان. وكان ملكه أربع سنين.

.ذكر ملك نرسي بن بهرام:

وهو أخو بهرام الثالث، فلما عقد التاج على رأسه دخل عليه الأشراف والعظماء فدعوا له، فوعدهم خيراً وسار فيهم بأعدل السيرة، وقال: لن نضيع شكر ما أنعم الله به علينا. وكان ملكه تسع سنين.

.ذكر ملك هرمز بن نرسي بن بهرام بن بهرام بن هرمز:

وكان الناس قد وجلوا منه لفظاظته، فأعلمهم أنه قد علم بما كانوا يخافون من شدة ولايته، وأن الله قد أبدل ما كان فيه من الفظاظة رقةً ورأفةً، وساسهم أرفق سياسة، وكان حريصاً على انتعاش الضعفاء وعمارة البلاد والعدل، ثم هلك ولا ولد له، فشق ذلك على الناس، فسألوا عن نسائه، فذكر لهم أن بعضهن حبلى، وقيل: عن هرمز كان أوصى بالملك لذلك الحمل.
وولدت المرأة سابور ذا الأكتاف.
وكان ملك هرمز ست سنين وخمسة أشهر، وقيل سبع سنين وخمسة أشهر.
وأسماء الملوك من سابور بن أردشير إلى هنا لم يحذف منها شيء.

.ذكر ملك ابنه سابور ذي الأكتاف:

وهو سابور بن هرمز بن نرسي بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير ابن بابك، قيل: ملك بوصية أبيه له، فاستبشر الناس بولادته وبثوا خبره في الآفاق، وتقلدوا الوزراء والكتاب ما كانوا يعملونه في ملك أبيه.
وسمع الملوك أن ملك الفرس صغير في المهد، فطمعت في مملكتهم الترك والعرب والروم، وكانت العرب أقرب إلى بلاد فارس، فسار جمعٌ منهم في البحر من عبد القيس والبحرين إلى بلاد فارس وسواحل أردشير خره وغلبوا أهلها على مواشيهم ومعايشهم وأكثروا الفساد، وغلبت إياد على سواد العراق وأكثروا الفساد فيهم، فمكثوا حيناً لا يغزوهم أحد من الفرس لصغر ملكهم.
فلما ترعرع سابور وكبر كان أول ما عرف من حسن فهمه أنه سمع في البحر ضوضاء وأصواتاً فسأل عن ذلك فقيل: إن الناس يزدحمون في الجسر الذي على دجلة مقبلين ومدبرين، فأمر بعمل جسر آخر يكون أحدهما للمقبلين والآخمر للمدبرين، فاستبشر الناس بذلك. فلما بلغ ست عشرة سنة وقوي على حمل السلاح جمع رؤساء أصحابه فذكر لهم ما اختل من أمرهم وأنه يريد الذب عنهم ويشخص إلى بعض الأعداء. فدعا له الناس وسألوه أن يقيم بموضعه ويوجه القواد والجنود ليكفوه ما يريد، فأبى واختار من عسكره ألف رجل، فسألوه الازدياد، فلم يفعل، وسار بهم ونهاه عن الإبقاء على أحد من العرب، وقصد بلاد فارس فأوقع بالعرب وهم غارون فقتل وأسر وأكثر. ثم قطع البحر إلى الخط فقتل من بالبحرين لم يلتفت إلى غنيمة، وسار إلى هجر وبها ناس من تميم وبكر بن وائل وعبد القيس، فقتل منهم حتى سالت دماؤهم على الأرض، وأباد عبد القيس، وقصد اليمامة وأكثر في أهلها القتل، وغور مياه العرب، وقصد بكراً وتغلب فيما بين مناظر الشام والعراق فقتل وسبى وغور مياههم وسار إلى قرب المدينة ففعل كذلك، وكان ينزع أكتاف رؤسائهم ويقتلهم إلى أن هلك فسموه سابور ذا الأكتاف لهذا، وانتقلت إياد حينئذٍ إلى الجزيرة وصارت تغير على السواد، فجهز سابور إليهم الجيوش، وكان لقيط الإيادي معهم، فكتب إلى إياد:
؟سلامٌ في الصحيفة من لقيطٍ ** إلى من بالجزيرة من إياد

بأنّ اللّيث كسرى قد أتاكم ** فلا يشغلكم سوق النّقاد

أتاكم منهم سبعون ألفاً ** يزجّون لكتائب كالجراد

فلم يقبلوا منه وداموا على الغارة، فكتب إليهم أيضاً:
أبلغ إياداً وطوّل في سراتهم ** أنّي أرى الرّأي إن لم أعص قد نصعا

وهي قصيدة مشهورة من أجود ما قيل في صفة الحرب. فلم يحذروا، وأوقع بهم سابور وأبادهم قتلاً إلا من لحق بأرض الروم. فهذا فعله بالعرب.
وأما الروم فإن سابور كان هادن ملكهم، وهو قسطنطين، وهو أول من تنصر من ملوك الروم، ونحن نذكر سبب تنصره عند الفراغ من ذكر سابور إن شاء الله. ومات قسطنطين وفرق ملكه بين ثلاثة بنين كانوا له، فملكوا، وملكت الروم عليهم رجلاً من أهل بيت قسطنطين يقال له اليانوس، وكان على ملة الروم الأولى ويكتم ذلك، فلما ملك أظهر دينه وأعاد ملة الروم وأخرب البيع وقتل الأساقفة ثم جمع جموعاً من الروم والخزر وسار نحو سابور. واجتمعت العرب للانتقام من سابور، فاجتمع في عسكر اليانوس منهم خلق كثير. وعادت عيون سابور إليه فاختلفوا في الأخبار، فسار سابور بنفسه مع جماعة من ثقاته نحو الروم، فلما قرب من يوسانوس، وهو على مقدمة اليانوس، اختفى وأرسل بعض من معه إلى الروم، فأخذوا، وأقر بعضهم على سابور، فأرسل يوسانوس إليه سراً ينذره فارتحل سابور إلى عسكره وتحارب هو والعرب والروم، فانهزم عسكره وقتل منهم مقتلة عظيمة، وملكت الروم مدينة طيسفون، وهي المدائن الشرقية، وملكوا أيضاً أموال سابور وخزائنه.
وكتب سابور إلى جنوده وقواده يعلمهم ما لقي من الروم والعرب ويستحثهم على المسير إليه، فاجتمعوا إليه، وعاد واستنقذ مدينة طيسفون، ونزل اليانوس مدينة بهرسير، واختلف الرسل بينهما، فبينما اليانوس جالس أصابه سهم لا يعرف راميه فقتله، فسقط في أيدي الروم، ويئسوا من الخلاص من بلاد الفرس، فطلبوا من يوسانوس أن يملك عليهم، فلم يفعل وأبى إلا أن يعودوا إلى النصرانية، فأخبروه أنهم على ملته، وإنما كتموا ذلك خوفاً من اليانوس. فملك عليهم، وأرسل سابور إلى الروم يتهددهم ويطلب الذي ملك عليهم ليجتمع به. فسار إليه يوسانوس في ثمانين رجلاً، فتلقاه سابور وتساجدا وطعما، وقوى سابور أمر يوسانوس بجهده وقال للروم: إنكم أخربتم بلادنا وأفسدتم فيها، فإما أن تعطونا قيما ما أهلكتم وإما أن تعوضونا نصيبين، وكانت قديماً للفرس، فغلبت الروم عليها، فدفعوها إليهم، وتحول أهلها عنها، فحول إليها سابور اثني عشر ألف بيت من أهل إصطخر وأصبهان وغيرهما، وعادت الروم إلى بلادهم، وهلك ملكهم بعد ذلك بيسير.
وقيل: إن سابور سار إلى حد الروم وأعلم أصحابه أنه على قصد الروم مختفياً لمعرفة أحوالهم وأخبار مدنهم، وسار إليهم، فجال فيهم حيناً، وبلغه أن قيصر أولم وجمع الناس فحضر بزي سائل لينظر إلى قيصر على الطعام، ففطن به وأخذ وأدرج في جلد ثور، وسار قيصر بجنوده إلى أرض فارس ومعه سابور على تلك الحال، فقتل وأخرب حتى بلغ جند يسابور، فتحصن أهلها وحاصرها، فبينما هو يحاصرها إذ غفل الموكلون بحراسة سابور، وكان بقربه قوم من سبي الأهواز، فأمرهم أن يلقوا على القد الذي عليه زيتاً كان بقربهم، ففعلوا، ولان الجلد وانسل منه وسار إلى المدينة وأخبر حراسها فأدخلوه، فارتفعت أصوات أهلها، فاستيقظ الروم، وجمع سابور من بها وعباهم وخرج إلى الروم سحر لتك الليلة فقتلهم وأسر قيصر وغنم أمواله ونساءه واثقله بالحديد وأمره بعمارة ما أخرب وألزمه بنقل التراب من بلد الروم ليبني به ما هدم المنجنيق من جنديسابور وأن يغرس الزيتون مكان النخل، ثم قطع عقبه وبعث به إلى الروم على حمار وقال: هذا جزاؤك يبغيك علينا؛ فأقام مدة ثم غزا فقتل وسبى سبايا أسكنهم مدينة بناها بناحية السو سماها إيران شهر سابور، وبنى مدينة نيسابور بخراسان في قول، وبالعراق بزرج سابور.
وكان ملكه اثنتين وسبعين سنة. وهلك في أيامه امرؤ القيس بن عمرو ابن عدي عامله على العرب، فاستعمل ابنه عمرو بن امرئ القيس، فبقي في عمله بقية ملك سابور وجميع أيام أخيه أردشير بن هرمز وبعض أيام سابور بن سابور.
وكانت ولايته ثلاثين سنة.